أكبر غانجي سجن خمس سنوات بعد نشر مقالات اتهم فيها وزيرا رفيع المستوى

قضى شقيق سوهراب الأكبر الأيام السبعة التالية يبحث في المستشفيات وأقسام الشرطة في طهران عن والده الذي فقدت آثاره. ما لم يكن يعرفه هو أن جثة ظهرت بالفعل في مصنع أسمنت على أطراف المدينة وذلك بعد يومٍ واحد من اختفاء محمد في الثالث من ديسمبر/كانون الأول. لم تخطر العائلة إلا بعدها بأسبوع. ويقول سوهراب: "تلقى شقيقي مكالمة من السلطات الطبية للحضور وتحديد هوية الجثة. قيل لنا إنه لم تكن هناك أي وثائق أو هوية في جيبه ولذا لم نبلغ في وقتٍ أبكر". ووفقاً للسلطات لم تكن جثة محمد مختاري تحمل سوى ورقة وقلما. كان قد خنق حتى الموت وكانت هناك كدمات حول عنقه.
وفي اليوم نفسه الذي عُرف فيه مصير محمد مختاري، اختفى صديق للعائلة وزميل كاتب هو محمد جعفر بويانده (44 عاماً). كان مترجماً وكاتباً معروفاً في الوسط الأدبي إلا أنه لم يكن معروفاً جداً للعامة. خطف خارج مكتبه وسط طهران في منتصف يوم 9 ديسمبر/كانون الأول. بعد ثلاثة أيام، عُثر على جثته وعليها علامات الخنق.
الرابط القاتل
كان بين مختاري وبويانده قاسم مشترك، فكلاهما كان عضواً في جمعية الكتاب الإيرانيين، وهي الجمعية نفسها التي نظمت رحلة الحافلة إلى أرمينيا قبل عامين. وكلاهما كان ينتقد السلطات بلا تحفظ. أما الجمعية - التي كانت تعمل على جمع التقدميين من الكتاب والشعراء والصحفيين والمترجمين في محاولة لتحدي الرقابة المفروضة - فقد واجهت تقليصاً كبيراً في أنشطتها في ظل الحكومات المتعاقبة قبل أن تحظر في أعقاب الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.
وكان فرج ساركوهي أحد أبرز أعضاء الجمعية خلال التسعينيات، وقد وصف كيف تمكنت الجمعية من تجاوز قرار حظرها قائلاً: "إنها موجودة بفضل الدعم الكبير لها. ننظم حفلات عشاء ونناقش أفكارنا خلف الأبواب المغلقة. بعض هذه الحفلات استضفتها في منزلي. كنّا نعرف أنهم يتنصتون علينا ولكن لم يكن لدينا خيار آخر".
في عام 1994، كان هناك نقطة تحول عندما حاول 134 عضواً التعبير عن موقفٍ لهم من خلال توقيعهم لرسالةٍ مفتوحة طالبوا فيها بحرية التعبير في إيران. حظي نص هذه الرسالة التي لم ترَ النور بالكثير من الدعم داخل البلاد وخارجها. ومن بين هؤلاء الذين ساعدوا في كتابة مسودة الرسالة كان فرج ومختاري وبويانده وعدد آخر من الكتاب الذين كانوا على متن تلك الحافلة المتجهة لأرمينيا والتي أُعد لها مصير سيء.
وقبل مقتلهما ببضعة أسابيع فقط عام 1998، استدعي مختاري وبويانده، إلى جانب أربعة كتاب آخرين، إلى المحكمة بسبب جهودهم لتنظيم مؤتمر تابع للجمعية. واستجوبوا وأبلغوا بصرامة بضرورة التخلي عن خططهم.
ويصف سوهراب نجل مختاري جو الخوف الذي ساد المنزل أثناء نشأته وحجم الضغط الذي تعين على أمثال والده معايشته، فيقول: "تلقى والدي تهديدات عدة مرات. أذكر غضبه الشديد في إحدى المرات عندما أخبرتني أمي بذلك مرة". ويضيف: "كان رجال الأمن يتحكمون في كل شؤونه. كانوا يسيطرون على مكالماته الهاتفية وأي اتصال له مع كتاب ومفكرين آخرين يشاركون في النضال من أجل حرية التعبير".
الغضب والتحقيق
لم يكن الاغتيال السياسي شيئاً جديداً في إيران، إلا أن الطبيعة الوحشية لحادث مقتل الزوجين فوروهار حظيت باهتمام الناس.
وتقول باراستو: "ما أثر فيّ جداً هو وحشية قتلهما فأمي طُعنت 24 مرة ووالدي قُتل بغرفة مكتبه حيث وضع على كرسيه باتجاه مكة (القبلة) فيما يمكن اعتباره قتلا ذا طقوس". وتضيف: "كان المجتمع في إيران مصدوماً وغاضباً جداً، ولهذا كان هناك مظاهرة ضخمة عند دفن والدي بحضور الآلاف".
مصدر الصورة  
الكرسي الذي قتل عليه داريوش وقد وجه صوب مكة
بدأ الناس في الاشتباه بأن ثمة دافعا سياسيا وراء حوادث القتل. اعتبرت هذه الحوادث على نطاق واسع جزءا من صراع على السلطة بين المتشددين الإسلاميين الذين لا يزالون يهيمنون على الخدمات الاستخبارية والإصلاحيين المؤيديين للرئيس محمد خاتمي الذي فاز بالسلطة في عام 1997 بعد تركيزه على المطالبة بمزيد من الحرية والديمقراطية.
وازداد تأثير الضغط حتى أمر الرئيس خاتمي في ديسمبر/كانون الأول من عام 1998 بالتحقيق في حادثة مقتل الزوجين، إلى جانب الظروف المحيطة بمقتل كل من مختاري وبويانده. بعدها بأسابيع قليلة، وفي يناير/كانون الثاني 1999، قالت السلطات في اعترافٍ نادر إن عددا من العملاء المارقين في وزارة الاستخبارات نفذوا عمليات القتل.
كما قالت السلطات إن المشتبه به الرئيسي والعقل المدبر هو نائب سابق لوزير الاستخبارات يُدعى "سعيد إمامي". وقد توفي هذا الشخص في ظروفٍ مريبة في الحجز، وقال المسؤولون إنه انتحر بابتلاع قارورة من منتج لإزالة الشعر.
وبلغ عدد من قدموا للمحاكمة 18 شخصاً. وصدر حكم الإعدام على ثلاثة منهم (إلا أن الحكم خفف لاحقاً للسجن)، بينما حكم على اثنين آخرين بالسجن لعدد مختلف من السنوات وبرأت ساحة ثلاثة آخرين. ومن بين من حوكموا خسرو باراتي الذي أقر لاحقاً بأنه كان سائق الحافلة.
مصدر الصورة
لكن عائلات الضحايا رفضت نتائج التحقيقات ووصفتها بأنها مزورة. وقد دققت باراستو، ابنة الزوجين الضحية ومحاميتها الحاصلة على جائزة نوبل للسلام شيرين عبادي، في الاعترافات كلها وخلصتا إلى أن "كل المشتبه بهم قالوا إنهم تحركوا بناءً على أوامر من وزير الاستخبارات نفسه. كان هذا ضمن اعترافاتهم لكن المحكمة لم تلقِ بالاً لذلك وتصرفت كما لو كان الأمر يتعلق بأشخاص يقتلون أشخاصاً آخرين دون أي سبب سياسي".
واستقال مدير الاستخبارات قربنالي دوري-نجفاباد من منصبه بسبب القضية، إالا أنه نفى على الدوام ضلوعه فيها. وقد سربت مقاطع فيديو بعد عدة سنوات أظهرت وجود أدلة على استخدام العنف مع بعض المتهمين لإجبارهم على الاعتراف.
مصدروحقق عدد من الصحفيين الاستقصائيين في القضية بتمحيص وتمكنوا من التوصل إلى روابط بينها وبين عمليات قتل غامضة لكتاب ومفكرين يعود تاريخها إلى أواخر الثمانينيات، تمت بوسائل متنوعة منها الخنق والطعن وحتى الحقن بالبوتاسيوم للتسبب في نوبات قلبية.
وتتعلق إحدى تلك العمليات بأكبر غانجي الذي سُجن لخمس سنوات بعد نشره سلسلة من التقارير أشار فيها بأصابع الاتهام إلى وزير رفيع المستوى في حكومة سابقة، وكذلك بعض كبار رجال الدين. ولم تحقق الدولة في أي من هذه العمليات، ولم يُعرف من يقف وراء معظم حالات القتل هذه.

Commenti

Post popolari in questo blog

ग्राउंड रिपोर्ट: पलवल मस्जिद की पाकिस्तान से फ़ंडिंग का सच

إسرائيل تبرم صفقة ضخمة لتوريد غازها إلى أوروبا

फैशन डिजाइनर की बाथरूम में संदिग्ध हालात में मौत, हत्या के आरोप में बेटा गिरफ्तार